- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (005)سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
السؤال هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس من دروس سورة المائدة ومع الآية الرابعة وهي قوله تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
أيها الأخوة، من صفات المؤمن أنه يسأل لأنه أراد أن يطيع الله، هذا قرار أولي، أراد أن يقبل عليه، وسيلته الطاعة، لذلك الفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن، غير المؤمن لا يسأل استغنى عن طاعة الله لأنه كذب بالحسنى.
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
لماذا استغنى أن يطيع الله؟ لأنه كذب باليوم الآخر، لذلك أيها الأخوة: يكاد يكون الإيمان باليوم الآخر لا يقل أهمية عن الإيمان بالله، لأن أهل الأرض قاطبة إلا فئة شاذة عطلت عقولها لم تؤمن به، لو آمنت أن هناك يوماً آخر، وأنه في هذا اليوم سيحاسب كل إنسان بما عمل، سيكافأ المحسن وسيعاقب المسيء، لا يمكن أن يعصي الإنسان الله عز وجل، فلذلك حيثما ورد في القرآن الكريم من أركان الإيمان بنود وجدت الإيمان بالله واليوم الآخر متلازمين.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف :
القضية تبدأ من هنا؛ أن إنساناً آمن بالله، آمن أن لهذا الكون إلهاً موجوداً كاملاً، أسماؤه حسنى وصفاته فضلى، وأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فلا يعقل أن يكون غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، ووسيم ودميم، أن يكونوا سواء، أن تنتهي الحياة الدنيا ولا شيء بعد الدنيا، هذا شيء يتناقض مع كمال الله، لأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، هذا الكون يدل على إله عظيم، ومن لوازم عظمة الله عز وجل أن يكون هناك يوم تسوى فيه الحسابات، لأن الإنسان آمن بالله واليوم الآخر، هو يبحث عن الأمر والنهي، تأتي كلمة يسألون، فمن لم يسأل ليس مؤمناً باليوم الآخر، والذي يسأل علامة إيمانه باليوم الآخر أنه يسأل، ما حكم الشرع؟ ماذا يرضي الله؟ وقد قال الله عز وجل:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
من هم أهل الذكر؟ أهل القرآن الكريم، ومن لوازم أهل الذكر، أهل القرآن الكريم أو أهل الفقه، لأنك بالكون تعرفه وبالشرع تعبده، كون ينطق بعظمة الله، وشرع هو صراط مستقيم يوصلك إلى الله، يسألونك فسؤالك عن هذا الموضوع دليل إيمانك، وعدم سؤالك دليل عدم إيمانك، هذا الذي لا يبالي أأكل حلالاً أم حراماً؟ هل ارتكب معصية أم طاعة؟ أكان عمله يرضي الله أم يغضب الله؟ هذا الذي لا يبالي ليس مؤمناً وقد وصفه الله عز وجل بأنه استغنى عن طاعة الله، بينما المؤمن محتاج أن يطيع الله عز وجل طلباً للسلامة وللسعادة.
المؤمنون حريصون على طاعة الله وسلامتهم من عقاب الله :
يسألونك؛ مادام الله عز وجل يقول:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
هذه آية الدرس الخامس، هؤلاء المؤمنون الحريصون على طاعة الله وسلامتهم من عقاب الله، الطامعون بما عند الله، يسألونك:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
وفي آية ثانية:
﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾
ينبغي أن أوضح لكم أن الدين واسع جداً، وأن الإنسان لو أمضى حياته كلها في طلب العلم يحقق مساحة محدودة في مساحة الدين، لذلك لا بد من تعاون العلماء فيما بينهم، لا يوجد عالم أحاط بكل علوم الدين، ما من عالم إلا وتفوق في جانب وهو بحاجة إلى أخيه العالم الآخر ليستأنس برأيه، فلذلك هناك من يعرف الله معرفة دقيقة وعميقة يمكن أن نسمي هؤلاء علماء بالله تعالى قال:
﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾
كلمة
(يسألونك) وردت في عدد من الآيات الكريمة تزيد عن عشر آيات :
هناك علماء بالقرآن الكريم وبالسنة وبالأحكام الفقهية وبالسيرة وبتاريخ التشريع، أبواب الدين واسعة جداً ولا يستطيع واحد أن يحصلها كلها، لكن كل واحد تفوق في جانب وأخوه تفوق في جانب آخر، فإذا تعاونوا نجحوا وارتقوا عند الله وكبروا في أعين الناس جميعاً، وإذا تنافسوا سقطوا من أعين الله عز وجل وسقطوا من عين الأتباع.
﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾
إذا القضية متعلقة بالله عز وجل فاسألوا به الخبير، متعلقة بالأحكام الشرعية:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
لكن يسألونك هذه الآية وردت مثيلاتها في عدد لا بأس به من الآيات الكريمة تزيد عن عشر آيات:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ ﴾
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾
ليس بين المسلم و ربه حجاب أو وسيط :
إلا آية واحدة إن قرأتها يقشعر جلدك:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
أي أنه ليس بينك وبين الله حجاب ولا وسيط، إذا قال العبد يا رب وهو راكع قال الله له لبيك يا عبدي، وإذا قال العبد يا رب وهو ساجد قال الله له لبيك يا عبيدي، وإذا قال العبد يا رب وهو عاص يقول الله له لبيك ثم لبيك ثم لبيك، أنا أنتظرك.
لو يعلم المعرضون انتظاري لهم وشوقي لترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟!!
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
آية قرآنية! لمن؟ لفرعون.
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
هذا الإنسان قولا له قولاً ليناً، فإذا أخطأ إنسان في المسجد في حكم لا يعرفه أيعقل أن تقيم عليه الدنيا ولا تقعدها؟!!
شروط الدعاء :
هناك فرق بين أخلاق الدعوة وأخلاق الجهاد في الحرب في ساحة المعركة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
لكن في ساحة الدعوة:
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
معنى ذلك أن شروط الدعاء أن تؤمن بالله الإيمان الذي يحملك على طاعته، ومن شروط الدعاء أن تستجيب له بطاعته، والائتمار بأمره والانتهاء عما عنه نهى، ومن شروط الدعاء أن تدعوه حقيقة ومخلصاً، إلا أن إنسانين مستثنيان من شروط الدعاء؛ المظلوم يستجيب الله له لا لأهليته ولكن بحكم اسم العدل، والمضطر يستجيب الله له لا لأهليته ولكن باسم الرحمة، باسم الرحمن.
في المعاملات الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيء إلا بالدليل :
قال تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ ﴾
والسؤال مفتاح العلم، أنت تستطيع أن تستعير عقول الرجال بالسؤال، لا تستطيع في أي مجال آخر غير مجال الدين أن تسأل بلا أجرة، لا تستطيع أن تدخل لعيادة طبيب إلا وفي جيبك مبلغ من المال ليغطي أجور المعالجة، ولا تستطيع الدخول إلى مكتب محامي إلا وفي جيبك أتعاب الدعوة، ولا تستطيع أن تدخل لمحل تجاري إلا ومعك الثمن إلا إذا دخلت لبيوت الله، لك أن تسأل ما شئت ومن دون ثمن لأن العلم مبذول، أنت إذا سألت استعرت عقول الرجال، من علامة المؤمن أنه يسأل ويتحرى ويتأكد ويستوثق لأن دينه غالٍ عليه:
(( ابن عمر دينك ديْنك إنما هو لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ ﴾
أيها الأخوة، عندنا قاعدتان أصوليتان: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بالدليل، ليس هناك دليل على الإباحة بل دليل على التحريم، إذا قلت: هذا محرم، يجب أن تأتي بالدليل، أما أكل التفاح لا يحتاج للدليل، وشرب الماء البارد لا يحتاج لدليل، لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيء إلا بالدليل، بالعبادات بالعكس الأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل، أن تخترع صلوات وعبادات وأذكار وتلزم أخوانك بما لم يلزم رسول الله أصحابه هذا ممنوع، الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيء إلا بالدليل، والأصل في العبادات الحظر ولا تشرع عبادة إلا بالدليل، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولأن الله عز وجل قال:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
العبادات الأصل فيها الحظر ولا تشرع عبادة إلا بالدليل :
طريقة معالجة الدين لقضايا الحياة كاملة لا تعدل ولا تطور، وعدد القضايا التي عالجها الدين تامة تماماً عددياً وكمالاً نوعياً، وأية إضافة على الدين اتهام له بالنقص، وأي حذف من الدين اتهام له بالزيادة، ويوم حذفنا من الدين فرائض كنا آخر الأمم، استبيحت أراضينا، نهبت ثرواتنا، قتل أبنائنا، لما عطلنا فريضة من مئتي عام وأضفنا على الدين ما ليس فيه اختصمنا، إن أضفت اختصمت وإن حذفت ضعفت، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ....))
في العبادات لا تشرع عبادة إلا بالدليل وفي المعاملات الأصل في الأشياء الإباحة:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ ﴾
فجاء الجواب عاماً:
﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ ﴾
الأشياء التي تطيب به نفوسكم، هذا ينقلنا إلى أن العلاقة بين الأمر وبين نتيجته علاقة علمية أي علاقة سبب بنتيجة، وأن العلاقة بين النهي وبين نتائجه علاقة علمية أي علاقة سبب بنتيجة، لأن هذا أمر خالق الأكوان وأمر الخبير، لا يوجد أمر رمزي، كل شيء منعك الله منه يبدد سلامتك وسعادتك، وكل شيء أمرك الله به تطيب به نفسك.
الفقه الحقيقي أن ترى أن الحسن ما شرعه الله والقبيح ما حرمه الله :
هذا الكلام يقودنا إلى المثل التالي: إنك تمشي في الطريق فإذا بلوحة كتب عليها: حقل ألغام ممنوع التجاوز، لا شك أن معظم الناس يشعرون بامتنان لواضع هذه اللوحة، لا يرون فيها حداً لحريتهم بل يرون فيها ضماناً لسلامتهم، وأنت حينما تعتقد أن كل شيء نهاك الله عنه من أجل سلامتك وسعادتك وآخرتك، وأن كل شيء أمرك الله به هو قوام سلامتك وسعادتك هذا هو الفقه الحقيقي، أن ترى أن الحسن ما شرعه الله والقبيح ما حرمه الله، فماذا أحل لكم؟ قل الطيبات طعام تطيب نفسك به، لكن طعام يمرضك لا يحل لك، كمٌ يمرضك لا يحل لك أن تسرف فيه، هناك نوع يفسد جسمك كلحم الخنزير ينبغي ألا تأكله، وهناك كمٌّ من لحم الضأن يؤذي صحتك فينبغي ألا تسرف، فهناك شيء محرم نوعاً وشيء منهي عنه كماً، فحينما تعتقد أن الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع لأنه من عند الخبير، أو لأنه من الجهة الصانعة، أنت دون أن تشعر ودون أن تفكر حينما تقتني آلة غالية الثمن، عظيمة النفع، بالغة التعقيد، تحترم هذه الورقة التي جاءت معها وتنظر إليها على أنها من عند الصانع ومن الشركة الصانعة من عند الخبير، فتحرص على ترجمتها والتقيد بتفاصيلها، لأنك حريص على سلامة الآلة، وأنت أعقد آلة في الكون ولك صانع حكيم، وهذا الصانع الحكيم له تعليمات التشغيل والصيانة فينبغي أن تتبع التعليمات.
الكلاب إذا تعلمت لها مكانة وجاء اسمها في القرآن الكريم :
قال تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
هذه حالة كانت فائدة من قبل، فكان الكلب المعلم، الكلب يُعلَّم، وقد بلغني قبل حين أن تكاليف تعليم الكلب يتجاوز الخمسين ألفاً أحياناً، الكلب المعين متميز، فقد يُعلَّم الكلب أن يأتي بالصيد دون أن يأكل منه، فالكلب إذا أرسل هو أو الطائر الصقر ليصطاد وصاحب الكلب سمى وجاء الكلب بهذا الصيد دون أن يأكل منه فهذا صيد حلال تناوله، حتى الكلاب إذا تعلمت لها مكانة! جاء اسمه في القرآن الكريم قال تعالى:
﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ ﴾
الكلاب أو الصقور أو ما شابه ذلك، لها أنياب تجرح.
﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ ﴾
أي أن هذا الكلب أصبح خبيراً في هذا الصيد.
﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
على المؤمن التقيد بكلام الله عز وجل :
أيها الأخوة، أعاد الله عز وجل أنه أحل إلينا الطيبات:
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾
أجاز أكثر العلماء أن ذبائحكم حل لكم، لكن المشكلة أن هؤلاء الذين ذكر اسمهم في القرآن الكريم على أنهم أهل كتاب قد لا تجدهم أحياناً، الإنسان حينما يكفر بالله عز وجل وبكتابه وبنبيه، وينكر وجود الله أصلاً، ولا يتقيد بشيء، هذا ليس من أهل الكتاب، تماماً كما لو أطلعك واحد على أنه مسلم في الهوية وهو ينكر وجود الله عز وجل ولا يصلي ولا يصوم ولا يعبأ بما حرمه الله، هل يعد هذا مسلماً؟ لا والله.
لذلك أيها الأخوة، أهل الكتاب الذين آمنوا بسيدنا عيسى، والذين آمنوا بالإنجيل، أما إذا آمن من يكفر بوجود الله أصلاً، ولا يعبأ بأي منهج أنزله الله، فهذا ليس من أهل الكتاب، هذا تحفظ لا بد منه، يقول لك: أن تتزوج كتابية، الله عز وجل قال:
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾
هذه ليست محصنة، قد لا تجد في العالم الغربي من مئة ألف فتاة، فتاة عذراء هي ليست محصنة، فلا بد من التقيد بكلام الله عز وجل.
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾
يوجد ملاحظة: طعام أهل الكتاب حل لنا قطعاً، أما طعام الملحد الذي لا يؤمن بالله أصلاً ولا بمنهجه ثانياً، قد يكون هذا الطعام قد تم صعقه وبقي الدم فيه ولم يزكى، فهناك إشكال في هذا الموضوع، لا أخوض في تفاصيل هذا الموضوع لأن الله سبحانه وتعالى تفضل علينا وجعلنا نقيم في بلاد المسلمين، لا مشكلة عندنا، لكن هذه المشكلة كبيرة جداً في بلاد الغرب بالنسبة للمسلمين، الأصل أنه حلال ما لم يثبت أنه صعق ولم يذبح ولم يزكّى إطلاقاً، على كل هناك من يفتي بحله ولو كان قد صعق، قضية خلافية لا مجال للخوض في تفاصيلها.
سدّ الذرائع :
من المسلمات طبعاً:
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾
يجوز الزواج منهم، لكن هناك حكم ورد عند بعض العلماء المعاصرين في شيء طيب، الأصل أن الأولاد يتبعون أقوى الأبوين، فإذا كان أقوى الأبوين هي الزوجة وهي ليست مسلمة وفي الأعمّ الأغلب سيكون أولادها تبعاً لها وسينشؤون على دينها، وفي أية لحظة تأخذهم وتمضي ولا تملك من أمرهم شيئاً، فهناك إشكال في تطبيق هذا الحكم على إطلاقه لا بد من التحفظ، هذا في الفقه يسمى لسد الذرائع، تزرع العنب حلال مئة في المئة، لكن إذا غلب على يقينك قطعاً أن هذا العنب مآله إلى الخمارة ليكون خمراً هنا ينشأ حكم طارئ ليس في أصل الحكم، الأصل إباحة، لكن إذا كان العنب في هذه المنطقة لا يورد إلا للخمارات ليغدو خمراً ينشأ حكم استثنائي طارئ سداً للذريعة، لا يجوز أن تزرع العنب ازرع شيء آخر، كذلك إذا غلب على اليقين أنك إذا تزوجت كتابية من العالم الغربي فمآل أولادها إلى الكفر كالإباحية مثلاً، إذا غلب على يقينك هذا فينبغي أن تتمهل وتتوقف وتسأل أهل الذكر إن كنت لا تعلم.
الإحصان وفق منهج الله أما السفاح فخلاف منهج الله :
قال تعالى:
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾
أجورهن المهر، مسافحين هو الزنى، والإحصان هو الزواج، الإحصان وفق منهج الله، والسفاح خلاف منهج الله.
﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾
هناك من يقول: صداقة بريئة بين شاب وفتاة، من قال لك: بريئة؟ ليس هناك صداقة بريئة.
﴿ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾
نعيد الآيات:
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾
يكفر بالإيمان، من كفر بالإيمان وما ينتج عنه من أمر ونهي حبط عمله وكان عمله سيئاً يستوجب النار، أو لو أن له عملاً في ظاهره جيد ونواياه شركية يفقد العمل قيمته، فالعمل إما أن يفقد قيمته أو صورته، إما أن تكون صورة العمل سيئة أو نية العمل سيئة.
﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾